نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة
إشكالية الوحدة:
الحرب الباردة تعبير يطلق على التنافس السياسي والإيديولوجي والعسكري بين القطبين الشرقي الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي و الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من اجل نشر مبادئهما على الصعيد العالمي مع تفادي الاصطدام العسكري المباشر، وقد امتدت من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى سنة 1989، وقد مرت العلاقات الدولية بفترات الأزمات والانفراج مابين الحرب الباردة الأولى 1947-1963 ثم فترة التعايش السلمي بين المعسكرين 1963- 1979 ثم الحرب الباردة الثانية مابين 1979-1989.
III خصائص الحرب الباردة الأولى1947-1963.
تجلت المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي في عدد من الأحداث منها:
1) التنافس الاقتصادي والمالي: عملت الولايات المتحدة الأمريكية في إطار مشروع مارشال بتقديم مساعدات اقتصادية لدول أوربا المتضررة من الحرب لاحتوائها وشجعتها على تأسيس المنظمة الأوربية للتعاون ا لاقتصادي ، واعتبر الاتحاد السوفياتي ذلك بسطا للهيمنة الأمريكية في القارتين الأوربية والأسيوية ، ولأجل ذلك أنشأ مكتب الإعلام الشيوعي لتعبئة الأقطار الأوربية وأحزابها الشيوعية ضد الخطة الأمريكية، وفي نفس الوقت أسس مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة لبناء ودعم الأنظمة الاشتراكية في القارة الأوربية وخارجها.
2) التنافس العسكري: أقامت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفات عسكرية جماعية كميثاق ريو د يجانيرو سنة1947 مع بلدان أمريكا الجنوبية، وميثاق حلف الشمال الأطلسي 1949 مع البلدان الأوربية الراسمالية-انجلترا + فرنسا +بلجيكا + هولندا + النرويج + الدنمارك + البرتغال + اليونان + ايطاليا + المانيا الغربية + وكندا وتركيا.، ثم حلف بغداد سنة 1951 مع العراق وإيران وتركيا وتركيا وباكستان، واتفاقيات عسكرية ثنائية مع اليابان 1951 وكوريا الجنوبية 1953 والصين الوطنية 1954. وفي المقابل كون الاتحاد السوفياتي حلف وارسو 1955 مع بولونيا وبلغاريا وهنغاريا ورومانيا و تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية، ومعاهدة ثنائية مع الصين الشمالية سنة 1950.
وبموازاة ذلك عمل المعسكران على التسابق نحو التسلح الاستراتيجي- الصواريخ العابرة للقارات + والقنبلة الهيدروجينية + الغواصات النووية + القاذفات الإستراتيجية - ونتج عن ذلك ما سمي بنظام توازن الرعب القائم على تحاشي الطرفين الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة خوفا من أن يؤدي استعمال أسلحة الدمار السابقة إلى إفنائهما.
3) التنافس الإيديولوجي: اشتدت الدعاية الإيديولوجية المتبادلة المعادية للشيوعية والمناهضة للرأسمالية.
4) حدوث أزمات سياسية:
أزمة براغ : وقعت أزمة سياسية داخلية بتشيكوسلوفاكيا بحدوث انقلاب سياسي اشتراكي هادئ على النظام الليبرالي القائم .
أزمة برلين الأولى : امتدت مابين ابريل 1948 الى ماي 1949. على اثر اتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وانجلترا على توحيد المناطق الألمانية الواقعة تحت مراقبتها بموجب مؤتمر يالطا-انظر الفقرة الأولى- قرر الاتحاد السوفياتي إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى برلين الغربية ومحاصرتها اقتصاديا وكادت أن تندلع مواجهة مسلحة بين القطبين عندما اخترقت الطائرات الأمريكية الأجواء السوفياتية لتقديم المؤن الضرورية لسكان برلين الغربية، إلا أن الاتحاد السوفياتي قرر رفع الحصار في ماي 1949 ، وانتهت الأزمة بتقسيم ألمانيا بما فيها العاصمة برلين إلى جمهورية ألمانيا الشرقية الديمقراطية التابعة للنفوذ السوفياتي وألمانيا الغربية الاتحادية التابعة لنفوذ المعسكر الغربي الرأسمالي.
الأزمة الكورية: احتلت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي للكوريتين سنة1945، ونتج عن دخول قوات كوريا الشمالية للمنطقة الجنوبية حدوث المواجهة مابين 1950و 1953ودعم الاتحاد السوفياتي كوريا الشمالية، ودعم مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية كوريا الجنوبية، وتم توقيع اتفاقية الصلح القاضية بجعل خطا لعرض 38 حدا فاصلا بين كوريا الجنوبية الرأسمالية وكوريا الشمالية الاشتراكية.
أزمة كوبا : اندلعت في أكتوبر سنة 1962 عندما اكتشفت طائرات التجسس الأمريكية وجود قواعد للصواريخ ا لسوفياتية في خليج الخنازير بكوبا وعلى اثر ذلك أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحصار عليها وهددت الاتحاد السوفياتي بحرب شاملة إذا لم يبادر بسحب صواريخه من التراب الكوبي، وبعد مفاوضات بين الطرفين التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بعدم ا لاعتداء على كوبا الاشتراكية ، قرر الاتحاد السوفياتي سحب صواريخه وانتهت الأزمة .
أزمة برلين الثانية : بعد الهجرة السكانية المكثفة من ألمانيا الشرقية في اتجاه برلين الغربية الرأسمالية ، وأمام رفض لدول الغربية اقتراح الاتحاد السوفياتي بتحويل برلين إلى مدينة محايدة، شرعت سلطات ألمانيا الشرقية السوفياتية ببناء حائط برلين سنة 1961 لمنع أي اتصال بين شطر يمدينة برلين.
IV. خصائص مرحلة التعايش السلمي 1963-1979.
1) بعد وفاة ستالين 1953 تسلم نيكيتا خروتشوف رئاسة الاتحاد السوفياتي سنة 1956، وتصادف ذلك مع إعلان حزبه الشيوعي في مؤتمر العشرون توجها جديدا للسياسة الخارجية السوفياتي، ترجمت في خطاب خروتشوف يوم 6 شتنبر 1959 في سياسة التعايش السلمي بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي وذلك بالسعي إلى التنافس في الميادين الاقتصادية والعلمية والثقافية واحترام اختيارات الشعوب لأنظمتها السياسية والاقتصادية اشتراكية كانت أو رأسمالية.
2) عقد لقاءات ثنائية بين رؤساء القطبين بين خروتشوف والرئيس الأمريكي إيزنهاور وخلفه كينيدي .
3) إجراء القطبين لمفاوضات الحد من السلاح الاستراتيجي وذلك في إطار ماعرف بسالتSALT:Stratigic Arms Limitation T alks -1 سنة 1972 وسالت 2 سنة 1979.
4) عقد مؤتمر هلسينكي بفنلندا: تم ذلك سنة 1975 وتعهد المعسكرين بالتعاون والتنسيق، والتزما باحترام سيادة الدول ووحدة ترابها وعدم التدخل في شؤونهاا لداخلية واحترام حقوق الإنسان والحريات.
5) حدوث أزمات إقليمية هددت التعايش السلمي بين القطبين وهي:
أزمة الفيتنام: اشتدت حرب الفيتنام مابين 1964-1968 حيث دعم الاتحاد السوفياتي فيتنام الشمالية الاشتراكية للسيطرة على فيتنام الجنوبية المدعمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهت الأزمة بعد سقوط ما يقارب ثلاثة ملايين من الضحايا، باتفاقية باريس 1973 التي نصت على المصالحة الداخلية للفيتناميين الشماليين والجنوبيين وعلى تشبثهم بالحريات وحقوق الإنسان وعدم الانضمام لأي تكتل عسكري وسياسي.
أزمة براغ : تدخل الجيش السوفياتي سنة 1968 لمنع التغيير السياسي للنظام الاشتراكي الذي شهدته تشيكوسلوفاكيا.
أزمة البترول: قطعت الدول العربية تصدير النفط إلى الدول الغربية المساندة لإسرائيل في حرب أكتوبر سنة 1973.
أزمة لبنان: اندلعت الخلافات السياسية وأسفرت عن حرب أهلية طاحنة امتدت من 1975 إلى سنة 1990.
نجاح الثورة الإسلامية: أطاحت الثورة الإسلامية بنظام الشاه المؤيد للمعسكر الغربي.
ثورات وانقلابات و صراعات إقليمية مدعمة من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية في دول العالم الثالث في انغولا والموزمبيق 1975 ،إثيوبيا والصومال وأفغانستان 1977
V. مظاهر الحرب الباردة الثانية 1979-1989.
1) غزو الاتحاد السوفياتي لافغانساتان 1979-1988 وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الاقتصادي والعسكري لباكستان و أفغانستان نظرا للخطر الذي يمثله الاكتساح السوفياتي على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي الرأسمالي بمنطقة الشرق الأوسط والأقصى.
2) اشتداد التنافس العسكري بين ا لمعسكرين: توقفت مفاوضات الحد من التسلح الاستراتيجي واشتد التسابق نحو التسلح فقد أنتج الاتحاد السوفياتي صواريخ متطورة وشرع في نشر أسلحة الليزر في الفضاء الكوني كما عززت الولايات المتحدة الأمريكية ترسانتها من الأسلحة الإستراتيجية بصواريخ حديثة كما عملت ابتداء من سنة 1989 في تنفيذ برنامج الدفاع الاستراتيجي المعروف ببرنامج حرب النجوم.
3) احتدام التنافس السياسي بين ا لقطبين: استمر المعسكرين في استقطاب الشعوب والدول على الصعيد العالمي من خلال دعما لحركات والأحزاب للقيام بالثورات والانقلابات، كما كثف الطرفين من استعمال حق ا لفيتو-النقض- داخل مجلس الأمن وفق مصالحهما.
4) احتدام التنافس الرياضي: حرص القطبين على تحقيق انتصارات رياضية كما قاطعت الولايات المتحدة الأمريكية الألعاب الاولمبية التي نظمت بموسكو سنة1980 ورد الاتحاد السوفياتي بمقاطعة الألعاب الاولمبية في دورة لوس أنجلس سنة 1984.
5) بداية التغيير الإيديولوجي والسياسي بالاتحاد السوفياتي: أعلن الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف عن سياسة البيروسترويكا - أيإعادة البناء – والجلاسنوست - أ ي الشفافية والوضوح- حيث ادخل إصلاحات ليبرالية بتشجيع المبادرة الفردية والاستثمارات الأجنبية والحرية السياسية وتنظيم الانتخابات...مما انعكس سلبيا على القطب الاشتراكي وساهم في تفكك الاتحاد السوفياتي بعد سنة 1989.
خاتمة عامة : شهد ت العلاقات الدولية خلال فترة مابعد الحرب العالمية الثانية والى غاية سنة 1989 توترا وانفراجا، بسبب التنافس العام الذي ساد بين القطبين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، والغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ومع نهاية سنة 1989 شهد الاتحاد السوفياتي تفككا كاملا ، وعرف العالم نظاما عالميا جديدا يتميز بنظام القطبية الأحادية الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية
سميت الفترة الزمنية التي